فلما طال عليَّ أتيتُ السوق
ثم رجعت وهي في بكائها تستعيذ
سعيد بن جبير -رحمه الله-:
عن القاسم بن أبي أيوب قال:
" سمعت سعيد بن جبير يردد هذه الآية في الصلاة بضعًا
وعشرين مرة :
{ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ
مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ }
[سورة البقرة: 281]".
سفيان الثوري -رحمه الله-: صلى بالناس المغرب
فقرأ حتى بلغ :
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
فبكى حتى انقطعت قراءته، ثم عاد فقرأ :
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
محمد بن المنكدر -رحمه الله-:
بينما هو ذات ليلة قائم يصلي
إذ استبكى وكثر بكاؤه حتى فزع أهله وسألوه :
ما الذي أبكاه،
فاستعجم عليهم، وتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى أبي
حازم فأخبروه بأمره، فجاء أبو حازم إليه فإذا هو يبكي
قال: "يا أخي، ما الذي أبكاك ؟ قد رُعتَ أهلك
أفمن علة أم ما بك؟ " فقال :
" إنه مرت بي آية في كتاب الله -عز وجل-"
قال:"وما هي؟ " قال:
قول الله -تعالى-:
{ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ }
[سورة الزمر: 47]،
فبكى أبو حازم أيضًا معه، واشتد بكاؤهما،
فقال بعض أهله
لأبي حازم: " جئنا بك لتفرج عنه فزدته "
فأخبرهم ما الذي أبكاهما.
ويروى أنه جزع عند الموت، فقيل له: "لم تجزع؟"،
فقال: "أخشى آية من كتاب الله -عز وجل-، قال الله -تعالى-:
{وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}،
وإني أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب".
الربيع بن خثيم -رضي الله عنه -: عن عبد الرحمن بن عجلان
قال: "بت عند الربيع بن خثيم ذات ليلة، فقام يصلي،
فمر بهذه الآية:
{ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }
[سورة الجاثية: 21]،
فمكث ليلته حتى أصبح ما جاوز هذه الآية إلى غيرها
ببكاء شديد".
علي بن الفضيل -رحمهما الله-: قال إسماعيل الطوسي
أو غيره: بينما نحن نصلي ذات يوم الغداة خلف الإمام
ومعنا علي بن فضيل، فقرأ الإمام:
{ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ }
[سورة الرحمن: 56]،
فلما سلم الإمام قلت: "يا علي، أما سمعت ما قرأ الأمام؟"
قال: "ما هو؟"، قلت:
{ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ }
قال: "شغلني ما كان قبلها :
{ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ }
[سورة الرحمن: 35]".
ميمون بن مهران -رحمه الله-: قرأ قوله -تعالى-:
{ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ }
[يس: 59]،
فرقَّ حتى بكى، ثم قال :
" ما سمع الخلائق بعتب أشد منه قط ".
الحسن بن صالح -رحمه الله-: عن حميد الرواسي قال:
كنت عند علي والحسن ابني صالح ورجل يقرأ:
{ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ
الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ }
[سورة الأنبياء: 103]،
فالتفت عليٌّ إلى الحسن وقد اصفار واخضار، فقال:
"يا حسن، إنها أفزاع فوق أفزاع"
ورأيت الحسن أراد أن يصيح، ثم جمع ثوبه فعضَّ
عليه حتى سكن عنه وقد ذبل فمه، واخضار واصفار.
عمرو بن عتبة -رحمه الله-: لما تُوفي دخل بعض أصحابه
على أخته، فقال: "أخبرينا عنه"، فقالت: "قام ذات ليلة،
فاستفتح سورة (حم)، فلما أتى على هذه الآية
{ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ
مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ }
[سورة غافر: 18]،
فما جاوزها حتى أصبح".
سليمان التيمي -رحمه الله-: يحكي عنه مؤذنه معمر، قال:
"صلى إلى جنبي سليمان التيمي بعد العشاء الآخرة،
وسمعته يقرأ:
{ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
[سورة الملك: 1]،
فلما أتى على هذه الآية:
{ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا }
[سورة الملك: 27]،
جعل يرددها حتى خف أهل المسجد فانصرفوا، فخرجت
وتركته، وغدوت لأذان الفجر فنظرت فإذا هو مقامه
فسمعت فإذا هو فيها لم يجزها، وهو يقول:
{ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا }
عمر بن ذر -رحمه الله-: عن أبي نعيم، قال:
سمعت عمربن ذر يقرأ هذه الآية:
{ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى }
[سورة القيامة: 34]،
فجعل يقول: "يا رب ما هذا الوعيد؟
وكان إذا قرأ هذه الآية:
{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }
قال: "يا لك من يوم ! ما أملأ ذكرك لقلوب الصادقين !"
أبو سليمان الداراني -رحمه الله-: كان يقول: "ربما أقمت في
الآية الواحدة خمس ليال ولولا أني بعد أدع الفكر فيها
ما جزتها أبدًا، وربما جاءت الآية من القرآن تطير العقل
فسبحان الذي رده إليهم بعد "
محمد بن كعب القرظي -رحمه الله-: كان يقول:
"لأن أقرأ في ليلة حتى أصبح:
{ إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} و{ الْقَارِعَةُ }
لا أزيد عليهما، وأتردد فيهما وأتفكر؛ أحب إلى من أن
أهدر القرآن هدرًا"، أو قال: "أنثره نثرًا".
مـنـع الـقـرآن بـوعــده ووعـيده *** مقـل العيون بليلها أن تهجع
فهموا عن الملك الكريم كلامه *** فهمًا تذل له الرقاب وتخضع
والأخبار كثيرة، والقلوب التي هزتها آيات الله -عز وجل-
ها هي قد سبقتنا إلى رضوانه،
ويبقى السؤال:
أين قلوبنا نحن من القرآن ؟
أين قلبُ مَن ختم القرآن ؟
أين قلب من يسمع القرآن ليله ونهاره ثم لا تدمع له
عين ولا يخشع له قلب ؟!
اللهم اغفر لنا عجزنا وتقصيرنا، اللهم طهر قلوبنا،
اللهم لا تخزنا يوم يبعثون،
{ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }
0 التعليقات:
إرسال تعليق