روايه البنت الرابعة

منتديات السعودي السعودية - الرسمي
شبكة و منتديات السعودي ~ ترفيهية وتعليمية وثقافية وكل ما يفيد زائرينا الكرام
روايه البنت الرابعة
Feb 7th 2013, 19:27


قصة البنت الرابعة




البنت الرابعة
أخيرا نفخت أبواق اللحظة الحاسمة التي يتحدد فيها جنس ما يخفيه لها المجهول وراء ظهره من مفاجآت ...كم ذا تجرعت مرارا من مستنقعات اليأس الراكدة وكم ذا لطمت جدار قلبها المتعب عواصف التهديد و العتاب بعد طول انتظار ....فالمرأة التي لايجنى من تربة رحمها إلا البنات ، شجرة بؤس لن يشتم الآخرون رياحين السعادة إلا باجتثاثها من جذورها ورميها في دركات الضياع ....لذا كثيرا ماتفننت عجوزها في اختراع أدوات التحطيم التي أنهكت بها كاهلها وجعلتها تتمنى الرحيل الأبدي لولا فلذات كبدها الثلاثة : زهرة ، أمينة وزينب ....
حانت إذن لحظات المخاض العسيرة وتباشير قدوم الضيف الكامن في الأعماق شهورا، حاولت خديجة أن تستجمع قواها وتقاوم تيارات الأوجاع التي كادت أن تمزق أنسجة بطنها البارزة أشلاءا ، وحاولت أن تجتر أشواك الألم وتطلي وجهها الشاحب بدهان من الصبر والرضا بما هو آت ، لكن حصن الفشل المتصلب كان لها دوما بالمرصاد ، وبعد مد وجزر ، إرتمى جسمها المنهك في سيارة الإسعاف وقد ثشبثت بأحد الكراسي بكل ماتمتلك من قوة حتى بدا لأصابعها فيه أثر ولولا بضع من التردد لأطبقت عليه بأسنانها....
كانت الأعين منصبة تجاهها ، ومن ذا باستطاعته أن يلتقطها من أغوار بئر المعانات العميقة ؟ سلطان الأمومة اجتذبها إليه بحباله المتينة ، فسقطت فيه مجبرة ولن تتذوق طعما للراحة والسكينة إلا بعد أن تلمس نسمات الهواء تلك الرأس الآدمية القابعة في الظلمات الثلاث ....
وبينما كانت خديجة في حالة تتقطع لها أفئدة الحاسدين عطفا وإشفاقا ، كانت العجوز تسرح بذاكرتها إلى الوراء وانتهى بها قطار الذكريات إلى محطة العرافة '' لالا " الصيفية ، أين اجتنت أملها في أن تصير جدة لمولود ذكر إستنزف منها ذاك الأمل المنتظر فيضا من الجهد والمال لكن " من أعز من الولد إلا ولد الولد " وماذا يعني أن تحلى رقبتها المجعدة بسلسلة ذهبية ؟ فالأحرى لها أن تستبدلها بماسينعش روحها البائسة ويزرع في قيعانها المتعرجة ورود الهناء ......

أما زوج خديجة عيسى فقد اكتسحت مخيلته هو الآخر صور جميلة لطفل يجمع بين وسامة أمه وقوة والده يكون له كوسام فخر أمام الجميع وعصا يرتكز عليها عند كبره بل وريثا لإسمه وماله والحريص من بعده على أخواته .

توقفت السيارة فجأة بالغة مقصدها ،فتوقف معها سيل الأحلام الوردية إلا ذاك العذاب المتواصل ، الذي لم تتوقف دقات طبوله الصاخبة بل ظل يتزايد إلى أن صمت أذان العقل وصلبت فيه نوارس التفكير ، الألم الجوع والعطش أعلنوا عليها حربا قاسية وسلاحها الوحيد آهات تعقبها أهات....

توالت الساعات منسكبة في كف الزمان ، ينظم تدفقها عقارب الساعة المثبتة على جدار غرفة الولادة وخديجة لاتزال تغوص في معاناتها وألمها وقدتمددت المسافات تحت قدميها على أرضية جرداء غمرت زوايا أمكنتها أشباح صمت قاتل .....

كانت تتمايل بخطواتها المحبطة وقد أنهك التعب جسمها النحيف وارتشف من وجهها العابس آخر قطرة من دماء ، حتى ليخيل للناظر إليها بشعرها ال**تنائي المموج على كتفيها وذاك الكحل المترامي تحت جفنيها كهالة سوداء تظلل عينيها الواسعتين ، أنها أميرة فاتنة غدرت بها الأيام ورمتها أسيرة في إحدى شراك عنكبوت الأحزان ...، بل تحفة فنية رائعة ،موناليزا عصرية بدماء عربية أبدعها الخالق وثمن الأمومة لها عنوان . قدر على بنات حواء أن تكبس أرواحهن الخفيفة تحت وطأة المعانات لكي ينعم أبناؤهن بحلاوة الحياة.........

إرتفع مقياس درجة الألم إلى أقصاه ، فتتابعت حثالة ماتبقى بحنجرتها المبحوحة من صرخات جارفة ، حملت على إثرها إلى طاولة الولادة .......

وبينما كانت خديجة تغرق في جحيم العذاب وتصارع سعراته الحارقة ، وتتلمس أثرا إلى بحيرة الطمأنينة والإستقرار، كانت العجوز في غرفة الإنتظار مع ابنها عيسى تقبع على كرسي خشبي و كأنماهي على كومة من الجمر ، لاتثبت جثتها العريضة على حال ،متلهفة للخبر السعيد الذي سيجعلها على الرغم مما تكتنز من اللحم والشحم ، عصفورة مرفرفة في الهواء....وفجأة ، إقتحم الأذان صراخ ملائكي ، لطيف بعد آخر صرخة أطلقت عنانها بحرارة تلك المنهكة داخلا ، فتسمرت في مكانها تنتظر أن يكشف الستار وتبرز على مسامعها الحقائق ، وإذا بإحدى القابلات تشق رداء الصمت والذهول وعلى وجهها ابتسامة مشرقة :

ألف مبروك ، خديجة بخير وقد أنجبت بنوتة مثل القمر ...و...
إستوقفتها العجوز بوابل من الكلمات المنغمسة في أوحال الدناءة وراحت تعلق على الخبر الصاعقة بإنه مجرد كذب وافتراء ....أي "أن الحاجة فاطنة " قد نسفت صروح أمانيها لما اصطدمت مخيلتها الهشة بصخرة الحقيقة المرة فاختلطت أمام ناصيتها الموازين ....حاول عيسى تهدءتها لكنها انزلقت من بين يديه مقتحمة الغرفة كغوريلا ثائرة والغضب يتطاير من عينيها الجاحظتين ...




وما إن لمحتها خديجة حتى تسربت روحها المنكمشة وانقسمت أشلاءا وطفقت تبحث في أنحاء الجسم عن مواطن للإختباء ...كانت تعرف أنها ستكون عرضة للوم والعتاب كمرات سابقات ، لكن ليس بهذه






الحدة والجبروت !! فازدياد البنت الرابعة واقعة أغلقت المنافذ على شعاع البسمات ورمت الجميع في مدارج الظلمات وسيطرت كفيروس لعين على خلايا الأعصاب الساخنة وخلفت وراءها سخطا كاد أن






يصير جنونا ...إنتظرت خديجة بفارغ صبر ماستجود به العجوز الغاضبة من كلمات ، بيد أن انتظارها لم يطل . تفحصتها من رأسها إلى أخمص قدميها ثم نطقت أخيرا :
إسمعي ياابنت الناس ، لقد صبرنا عليك بما فيه الكفاية ، من المستشفى إلى بيت أهلك مباشرة ....أما إبني ، فسأزوجه بمن هي أجمل منك وأصغر وبمن ستملأ داره بالأولاد الذكور ....أنت طالق بالثلاث .....
ثم التفتت إلى ابنها الواقف وراءها قائلة : هيا ارمي عليها يمين الطلاق وإلا فدعوات الشر ستلاحقك إلى يوم القيامة
حاول عيسى استعمال ما وصف به الرجال من رزانة العقل في هذه المواقف ، لكن بدون جدوى ، وأمام إصرار والدته المتعنتة والرافعة فوهتي أنفها المفلطحة إلى السماء، نطق بالكلمة التي ذبحت عنق




العشرة الزوجية وأنهى كل شيئ في ثوان معدودات ......وبصوت مختنق تجمعت حروفه بصعوبة ،قالت خديجة وعيناها المتوسلتان تسحان بعبرات جارحة :

وماذنبي أنا ؟ فالله سبحانه هو الذي قدر لي أن أكون أما لأربع بنات ......

ردت الحاجة فاطنة بابتسامة صفراء ساخرة برزت لها جوانب طاقم أسنانها المخبوء في ظلمة فمها الوسع زمنا :

ماكل هذا الإيمان الذي نزل عليك فجأة ؟ ألا تكونين ولية صالحة ونحن نجهل ذالك ؟ إسمعي ...لقد حسم الأمر بدون رجعة ....وكما حرمتني من الفرحة لسنوات ، سأعمل جاهدة مادام في نفس أن أحرمك من رؤية بناتك .....

أقسى درجات التعذيب التجأت إليها العجوز الحاقدة لكي تشفي غليلها وتطفئ وهج النار المسعرة في صدرها ....ماأصعبه من عذاب حينما تحرم الأم من رؤية أبنائها وماأتعسها من أم تلك التي أصابتها سهام الظلم البشري ووقعت رهينة في متاهاته .....

إختفت العجوز بعدما فجرت وابل الألغام في جوارح كنتها وخلفتها وراءها كدجاجة مذبوحة وهي تلهج بأسماء بناتها الحبيبات اللواتي تحول بينها وبينهن المسافات.....

في اليوم الموالي حضر طليقها إلى المستشفى وفي نيته إخراجها والتوجه بها إلى بيت أهلها ....فتح باب الغرفة بهدوء ، قابله صمت رهيب ...تفاجأ لأمر لم يكن يتوقعه وملأت ثنايا دماغه علامات استفهام لم ينجح لإيجاد لها أي إجابة :

ترى أين اختفت هي وكتلة اللحم الحمراء تللك ؟

وبينما هو في حالة الذهول والإستغراب ، ناداه صوت بشري ناعم فأخرجه من دوامة الحيرة والتساؤل :

هل أنت زوج خديجة ؟

فرد عيسى وقد قرأ في وجهها عنونا أسودا لم يستطع تمييز حروفه ....

أجل أنا هو..( وبقي ينتظر للأمر تفسيرا )

لقد أصيبت زوجتك البارحة بنزيف دموي حاد ، حاولنا إنقاذها ولكن للأسف ، البقاء لله .
إنحبست أنفاسه في أسناخ رئتيه لهول الصدمة ....أجهظت عيناه وخرس لسانه وكأنما ألقي في واد جارف فاستصعب عليه اصطياد ذرات الهواء ....وكاد جسمه المتماوج أن يفقد توازنه وسرعان ماعاد إليه




وعيه وقد سقطت على وجنتيه دمعات....بالتأكيد ، أحس برصاصات الندم ت*** دروع قلبه المتوجع لكن فات الأوان للتعبير عن المشاعر المتدفقة . سلمت إليه ابنته الرابعة ، اصطدم بصره بوجهها الملائكي




الجميل ...تحركت في أعماقه عاطفة الأبوة ، فلفها بذراعيه المنبسطتين . إندست بينهما وهي تحرك رأسها الأصلع في كل الإتجاهات ، لم يفطن أنها كانت تتحسس طريقا إلى حلمة ثدي أمها الراحلة ولو أنها




كانت تدرك بغريزتها الطفولية البريئة ألا غنيمة ترجى من صحراء صدر والدها ، لما بذلت جهدا للوصول إليه . توافدت هجمات الجوع لاسعة على معدتها الصغيرة ، فأطلقت العنان لصرخات متواصلة نسجت




فيها مع رياح الخريف سيمفونية حزينة تترجم معنى لعناء بنات حواء ....إتجه بها والدها إلى حيث غاب ظله و**ته أثواب الزوال ، ليبقى المكان الذي جرت فيه أحداث قصة البنت الرابعة وأمثالها من البنات




شاهد على تحجر القلوب الآدمية وظلم الإنسان لأخيه الإنسان وهو يردد بصوت جهوري عريض ، بعد باسم الله الرحمان الرحيم : " لله ملك السموات والأرض يخلق مايشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن




يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما "


صدق الله العظيم

v,hdi hgfkj hgvhfum

You are receiving this email because you subscribed to this feed at blogtrottr.com.

If you no longer wish to receive these emails, you can unsubscribe from this feed, or manage all your subscriptions

0 التعليقات:

إرسال تعليق